الثلاثاء، 21 أبريل 2015

بعيدا عن التشكيل ...قريبا من الشعر والفكر والسياسة

الــعــوام ... يفتح نافذة  الذكريات

الجلوس إلى الأستاذ إبراهيم العوام اشبه بالجلوس الى لوحة تأسرك بجمال الوانها  تحسها تنبض بالحياة والحكايا ، تغوض بك عميقا لتقرا  ما خلف الريشة ، هناك تكتشف أن عوالما تولد وأن احداثا تدور،  وأن الأمر ليست الوان وريشة بل حياة أخري ،
انا الان اقف على امشاط اصابعى احاول الدخول على ابواب اللوحة التى شكلها التشكيلى العالمي ابراهيم العوام  لوحة لها امتداد بلا نهاية كعادته لا حدود للغوص ولا فراغات حاولت التملص من محاولة حوار العوام التشكيلى ، أردت ان ابحث عن العوام من خلف الريشة العوام الأخر ، هذا الذى كتب الكثير فى الثقافة ، والنقد وميتافيزيقيا الفن ، ونسق الفكر فى الجمال و..و.. العوام الشاعر والسياسي والمفكر غير اننا فى بعض الاحيان لا ننفك فى من سحر التشكيل دعوني ابرهن لكم على ذلك .
حاوره اسامة الشيخ ادريس

*متى بدأت تعى ان الرسم والتشكيل من عوالم العوام ؟

كنت ارسم وانا ما زلت فى الكُتّاب وكان يضايقنى أن ياتى بى المعلمون لأرسم امام ضيف او زائر ولكن شدني رسم لساقية كانت بالفصل فى المرحلة الوسطى رسم متقن جدا لساقية ، وفى مدرسة الاحفاد الثانوية أسس الاستاذ يوسف بدرى جمعية الفنون وكان مربيا ً متقدماً جدا فى افكاره واحضر لنا اول وثانى دفعة  من خريجى كليات الفنون من انحلترا ودرسّنا شفيق شوقى وهو اول من ابتعث لدراسة الفنون فى انجلترا وشفيق شوقى كان رجل فنان بطبعة يدعنا نرسم على انغام الموسيقى فأحببناه واحببنا مادة الفنون  واصبحتُ رئيس جمعية الفنون ثم جاءنا بعده بسطاوي بغدادى وهو اول عميد لكلية الفنون فيما بعد ، وطلب منا بغدادي أن نمسك قرشا باصابعنا ونرسمه فرسمناه فى صورة مبسطة و(مكلفته ) وتلك كانت اول محاضرة من بغدادي حول تلمذة  الرسم والاحساس بما ترسم وكان حادا جدا ومنضبضا حيال الرسم وتوقع منا ان نكون مثله
*ايضا تعاملت مع الكتابة والنقد مبكرا حدثنا عن ذلك ؟
كانت لدى جريدة عكاظ وكانت حائطية تكتب بخط اليد وكنت استعين بخطاطين من كلية الفنون للكتابة والرسوم وكان على ديباجتها جملة (تقرأ ما بين السادسة والسابعة والنصف صباحا )
*لماذا هذا التوقيت المبكر ؟
لأنه زمن حضور الاستاذ ( يوسف بدري ) للمدرسة وكان اول ما يفعله هو مصادرة الجريدة
*ولماذا يصادرها بدرى وهو الذى وصفته بأن  لديه فكر متقدم ؟
لأن بها خروج عن المالوف فقد كنت أنتقد بعض سياساته وكنت اتطرف فى النقد احيانا كحال بعض النقاد
*هل كان للجرائد الحائطية كل هذا الأثر وقتها ؟
بكل تأكيد فالكتابة والى يومنا هذا تبدأ من الصحافة والصحافة وقتها كانت مؤثرة جدا وقلة هم من ينشرون بها انا نشرت اول قصيدة لى وانا فى الثانوي بجريدة الصراحة  وكان رئيس تحريرها الاستاذ عبد الله رجب وكانت أكثر  صحيفة مناهضة للاستعمار ومن ينشر بها يعتبر من كبار مثقفى البلد
* انت شاعر ام تشكيلى ام مثقف ؟ اين تجد نفسك ؟
اجد نفسي فى التشكيل ولكنى اكتب الشعر ايضا .. يقول مستطردا ، دعنى احكي لك شيئا ، فى الثانوي لم يكن لدينا مدرسين سودانيين واساتذتنا كانوا انجليز ومصريين وشوام ولم يكن هناك استاذ سوداني حتى جاءنا  الشيخ عبد الله البشير الشاعر والاديب الكبير وسبقه الاستاذ فتحى امبابى وكان مدرسا للعلوم ، تجرأت يوما وذهبت لأستاذنا الدكتور أحمد شلبي وعرضت عليه قصيدة من نظمي شذبتها وقفيتها فقال لى بالحرف الواحد
-        (شوف يا أبني ابراهيم دي شوية كلام فارغ ممسوح فى النص باستيكة سيبك يابنى من حكاية الشعر دي انت ملكش فيها ) فأحبطنى جدا ، وفى العام الذى يليه جاءنا الاستاذ عبد الله الشيخ البشير فعرضت عليه قصيدة رثاء لزميل لنا توفى وكتبت فيها
أيها الشؤم مل بوجهك عنى           كيف تقوى تبلغ الاخبارا
لاتـقـل مات إن للمـــوت قلباً          ليس يقسو على الحياة جهارا
وجمت صفحة السماوات هولا       وكست اوجــه الســواد النهارا
سكن الريح فى الفضاء وراحت      رعشة الحزن تعتري الاشجارا
وتــهز النفوس حتى تـــــهاوى        فوق جمر الاســي يمور اوارا
فصاح بى عبد الله الشيخ البشير (انت شاعر) واجازني وكانت ضريبة ذلك ان أقرأني كل الكتب بالمكتبة العربية ورسبت فى كل المواد الاكاديمية فى المدرسة ففصلنى  يوسف بدري ولكن عدت مرة اخري بعد امتحنني الاستاذ يوسف  فى كل كتب المكتبة ومعها المقررات الدراسية
اين مضى بك الشعر ؟
الى السجن ...فى عام 1958 وعند قيام ثورة العراق اشتركت مع كبار الشعراء فى منتدى شعري اقامه نادي شركة شل وقتها مازلت فى الثانوي وطلبت بألحاح الاشتراك فى القاء قصيدة وكان هناك شعراء كبار كعبد الله البنا وصلاح احمد ابراهيم ،كانوا عشرة شعراء وكنت آخر من القى قصيدته استصغرني الناس فى البداية لحداثة سنى ولكنهم سرعان ا تنبهو عندما بدأت قصيدتى قائلا
كانطلاق الرعد ضجت فى عروقى  
ثورة الاحرار فى بغداد
كالسنا يغشي متاهات الطريق
كإنبلاج النور فى افق الشروق
فرحة ملئ الصدور
انفجار طالما كان بشريانى يثور
صرخة الحق على سمع الدهور
جاء نصر الله والفتح الكبير
قلعة الطغيان دكت واقتلعناها الجذور
ماهو تأثير المكان عليك ؟
أنا اسير الزمان والمكان معا ..حواري هذا معك فيه كثير من الذكري ، عندما دخلت مدرسة كريمة الأولية وكنا نذهب اليها على  ظهور الحمير كان هناك طريقان الى المدرسة احدهما طريق النخيل والاخر قرب الجبل (جبل البركل )  وانا كنت احب طريق الجبل وكنت مغرما بالمعبد وتماثيل الخراف واصعد على ظهرها الجرانيتى الاملس  وامسك قرون التمثال وكان امرا مثيرا جدا بالنسبة لى أن اتسلق ظهره واتامل جمال هذا النحت المتقن الخرافى وهذا التصميم العجيب وكانت جدتي فى كل مرة تلومني على تأخيرى وكنت ادخل الى داخل المعبد متأملا للتصاوير وزخارفها كنت مغرما بالالوان منذ صغري واذكر ان هناك بعض العمال كانوا يأتون الى القرية ويزينون البيوت من الداخل والخارج بالوان جميلة جدا  وتمتد تلك الالوان والرسومات لتشمل كل فراغ الحائط ويملؤونه بالرسومات ،كانت تاسرني تلك االطريقة حتى انى ما زلت متأثرا بها الى الان فى لوحاتي فقليلا  ما اترك فراغا على لوحاتي حتى ان بعضهم اشار الى ذلك ولكنى احب هذا النوع التشكيل وذهب بعضهم الى الى انى متاثر بالرسم الاسلامي
نشأتك ما بين المعابد والرسومات الفروعونية والثماثيل واضح حتى على مستوى كتابة المقال لديك ففى فاتحة كتابك نسق الفكر والجمال تطرقت الى هذا ؟
كنت مبهور جدا بالمعبد وبما داخل المعبد من نقوش ورسوم وتصاوير ولغات مبهمة لا افهمها وان كنت احس بانه تعني الكثير بل وكنت مبهورا بالاساطير والحكايا المتداولة عن الجبل والمعبد والخراف كانوا يقولون ان بداخل المعبد ثعبان ضخم على رأسة جوهرة ثمينة لا تقدر بمال وكانت احلامي وقتها ان الحصول عليها وكان هناك حديث عن ممر طويل داخل المعبد يهرب من خلاله الملوك فى حال حصار المملكة يؤدى هذا الممر الى دنقلا كلها اساطير من الحضارة النوبية القديمة فقد كان الجبل مقدسا حيث انه المركز الدينى وقتها وهناك اساطير امتدت الى زماننا نحن فقد كانوا يعتقدون انه اذا سقط حجرا من الجبل  واسمه ( جبل الكرسني ) فهذا يعنى ان وليا صالحا سيموت اليوم واذكر ان انهياراً حدث وانا صغير فانزعج الناس جدا وصارت جدتي تردد تري من سيموت اليوم وكان بمقدرا حجم الصخور التى تسقط يكون مقام الولى الذى سيموت
وهل مات وليا صالحا فى ذلك اليوم ؟
- يضحك-  كان لدى ابن خالة احبة جدا اسمه كامل محجوب وهو احد قادة مايو احتفى عندما كنت صغيرا  أنا كنت اخشي ان يكون هو ولكن ذلك لم يحدث وتوفى احد آل الكرسنى المسمي الجبل بأسمه  غير اني استوحيت تلك الاسطور فى كتابة مرثية للبروفسير  محمد عمر بشير جاء فيها
ياويلنا رحل الحبيب
سكتت على فجر الفجيعة رنة الحزن المذيب
وبكت سماوات الأسي مطرا واجهشت البروب
وانهد كتف الكرسني
وسمعت رعد حجارة تنهار
من سيموت هذي الليلة المشؤمة القسمات ؟
من سيموت؟
وطلت من اقمارها
قمرا تلألأ فى الدروب وفى البيوت
*العوام بعيدا عن التشكيل قريبا من المشهد الفكري والسياسي كيف يبدو ؟
انا لم اعرف السياسة ولا الحياة العامة الا فى الثانوي وقتها كانت هناك خمسة مدارس فقط هى مدرسة وادي سيدنا ، وخور طقت ، وحنتوب ، وامدرمان الأهلية والاحفاد وانا دخلت مدرسة الاحفاد وهى من المدارس الخاصة وكانت تكاليف دخولها عالية جدا حوالى 12 جنيه فى العام وفى الثانوي بدأت اسمع عن التنظيمات السياسية ولكنى لم اكن اعرف كنهها بالضبط وكنت اسمع عن مؤتمر الطلبة وعرفت فيما بعد بأنهم الشيوعيون ثم عرفت تنظيم الاخوان المسلمين وهما كانا ابرز تنظيمين وقتها وكان لدى فضول شديد بالتعرف الى هذه التنظيمات فاشار الى صديقى الرشيد عبد الوهاب الاقتصادي الكبير الآن بالدخول فى كلا التنظيمين وقد حدث ، الا أن الشيوعيون سرعان ما كشفوا امرنا ورفدونا من مؤتمر الطلبة  فاستمرينا  في تنظيم الاخوان المسليمن واطلعنا على كتب حسن البنا وافكاره واحببنا تنظيم الأخوان المسلمين وتمر الفترات فاذا بى اكتشف ما لا يعجبني فى التنظيم
ماذا اكتشفت ؟
اعفينى من التفاصيل ولكنى انسلخت من تنظيم الاخوان المسلمين ولا اريد الخوض فى هذا
من كان رئيس تنظيم الاخوان المسلمين وقتها ؟
كان الاخ دفع الله الحاج يوسف الذى صار فيما بعد على رأس القضاء وللأمانة والتاريخ هو رجل انا معجب به جدا والى الان فهو رجل (دغري) وانساني جدا ومسلم حقيقى وفوق ذلك هو شاعر
هل مر امر انسلاخك من التنظيم بسهوله ؟
لا طبعا عقد لى مجلس محاسبة من قبل التنظيم فبعضم كان ما زال يرى ان مكانى فى تنظيم الاخوان المسلمين فقد كنت مواظبا على صلواتي فى المسجد حتى بعد انسلاخي وأذكر ان جاءني الاخ صادق عبد الله عبد الماجد وكان فى زيارة للمدرسة لدواعي تنظيمية ومعة الاخ دفع الله الحاج يوسف وبدا دفع الله يتحدث معي عن اخلاق الداعية وطلب منى العودة الى التنظيم فرفضت ، بعدها حصلت بينى منازعات وبعض كوادر الحزب ووقتها كانت لدى جريدة حائطية اسمها عكاظ كتبت فيها مقالات هاجمت فيها الأخوان بشدة وكانت بيني وبينهم معارك وصلت الى  حد استخدام السلاح الابيض واودعت فيها الحراسة  بعدها هدات المعركة بينى والاخوان المسلمين وكنت اقرب الى حزب المستقلين بقيادة الدكتور (ابو ساق )  وكانوا يسمونهم جماعة (البيبسى كولا ) ولكنى لم انتمي اليهم كما انى لم انضم الى أي تنظيم سياسيى حتى الان
ولكنك كنت احد قيادات الحزب الاشتراكي السوداني فى مايو 69 ؟
لا لم انضم للحزب الاشتراكي المايوي بصفة رسمية وهى كانت فترة قصيرة وقتها لم تعجبنى التقلبات المزاجية للرئيس نميرى
 ناهضت عبود فى 1958 وكنت ضدة لأنه عسكري  وناصرت النميرى فى فترة ما كيف نفهم ذلك ؟
انا كنت معجب جدا بعبد الناصر ونميري كان اشتراكيا واتي شبيها لعبد الناصر فى التوجه الفكري هو ومعمر القذافى ، وقد اعتبرهما عبد الناصر امتداد له فساندهما ، وكل المثقفين الذين وقفوا مع نميري فى ذلك الوقت كانوا يعتقدون انه سيُحدِث نهضة ثقافية وفكرية ووطنية مثلما فعل عبد الناصر فى مصر ولكن ذلك لم يحدث ، لم اكن من المؤيدين لأنقلاب هاشم العطا ولم اكن معهم ولكن حصل التباس وحسبونى من الشيوعين واعتفلت ولكن فيما بعد  اطلق صراحي بعد ان قضين فترة  فى المعتقل بعدها  يئسنا من نميرى لأنه كانت متقلبا يسارا ويمينا ثم اتفق مع الصادق المهدي  وانسلخت منه فى عام 76
لماذا رفضت المصالحة مع الصادق المهدي؟
لأنى لم اكن أأومن بجدوي الاحزاب
انت الان محسوب على الاسلاميين ؟
الاسلاميون رأوا فى كتاباتى الاسلامية ما يتماشي مع توجههم الفكري ولكني اقول  وأكرر انا اشتراكي ومازلت اشتراكي والاسلاميون رأسماليون وما يحدث الان هو نتيجة حتمية لمحاولات تطبيق الرأسمالية فى السودان والسودان الان مهيأ للاشتراكية اكثر من أى وقت مضي وأنا أري أن الاشتراكية فشلت فى روسيا  نفسها ، وقد زرت روسيا والصين وكوريا الشمالية و فى رأي أنها فاشلة وتصادر حرية الناس ولا يمكن أن يتطور شعب إلا بالحرية ، والاسلام كفكر لا يصادر حرية الناس لذا يقال أني اسلامي لأنى مع حرية الفكر التى يكفلها الاسلام ويصادرها الشيوعيون والاسلام نفسه لا يؤمن براسمالية الغرب ولا بأشتراكية .
*لماذا كل جيل الستينان كان منفعلا بالفكر الاشتراكي حتى أنهم يدعون أن عصر الستينات هو العصر الذهبي للثقافة السودانية ؟
هذه حقيقة  هم الجيل الذهبي للثقافة السودانية وعندك الاسماء الكبيرة فى شتي مجالات الثقافة فى السينات ظهر كبار المثقين السودانيين فى مجال الشعر كان محمد المهدى المجذوب ومصطفى سند محمد المكي ابراهيم والنور عثمان ابكر ولفيف ومن كبار الشعراء وكان هناك عبد الله الشيخ البشير وصلاح احمد ابراهيم اما فى القصة فظهر الجيل الذى استطاع وضع القصة مابين فنون الكتابة فى مكانها الائق امثال بشرى الفاضل والطيب زروق اما فى مجال القصة القصيرة فظهر الفاتح ميكا وزهاء الطاهر
اسسنا منتدى زهاء الطاهر معا وبعدما توفى زهاء اسمينا المنتدي باسمنا
حدثنا عن زهاء الطاهر
هو احد كتاب القصة العباقره على مستوى العالم وهو يكتب بلغة معجزة ويمتلك ناصية اللغة ويسيطيع ان يطوعها ويعبر بها عن ادق المواقف فهو خريج معهد امدرمان العلمى  وهم عباقرة تعرفت عليه عندما اسست مطعما كان يرتاده المثقفون متابا وتشكيلون وشعراء وصحفيون وكتاب قصة مطعم عنابة وبدأنا نفرا الشعر والادب والنقاشات الثقافية بالمطعم امثال مطفى سند ومحي الدين فارس وعثمان النو وكان الصحفيون يجدونها فرصة لكتابة مقالاتهم الصحفية عندما يخلو من الزباين مما اغرانا بتكوين منتدى وفيما بعد شكلنا انا والشاعر محمد الامين محمد الحسن وعثمان سعيد واللواء عمر النور وزهاء الطاهر منتدي بمكتبي المجاور بعمارة مكاوي بعد اغلاق المطعم
لماذا توقف المنتدي ؟
بعد ماتان وثنان وثمانون جلسة موثقة بالصورة والصوت اضررت ان اوقف المنتدي لأسباب مالية وطلبت من وزير الثقافة انذاك ان يدعمنى بنصف الايجار فاعتذر وقد كان المنتدي بايجارة وادارته يلفنى اكثر من مليوني جنيه شهريا بينما كان معاشي فى الواقع اربعمائة جنية
البعض يتهم عبد الناصر بانه كان ديكتاتورا ناعما ً؟
نعم كان ديكتاتورا ولم يكن ناعما ولكنه كان أمينا ومصلحا ولم يستفيد استفادة شخصية من منصبه وصنع مصر جديدة بناها ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وكان يهتم بالثقافة اهتماما كبيرا واذكر انه ابلغ ذات يوم باعتقال صلاح جاهين الشاعر والكاركاتيرست وصودر ديوانه فما كان الا ان ركب عربته وذهب الى وزارة الداخلية واطلق صراحه واطلق صراح ديوانه القمر والطين
*انت تقول ذلك لأنك درست بمصر وتشبعت بالفكر الاشتراكي والثقافة الاشتراكية  ؟
ربما ، ولكنى إلتقيت بعبد الناصر مرتين وكان وطنيا مخلصا ناهض الاستعمار بقوه ،عندما ذهبت الى مصر فى عام 1959 كان فى ذهني أن اقابل اربعة شخصيات محددة هم العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وفى ذهني أن هؤلاء هم اعمدة الثقافة فى مصر، وذهبت الى زقاق المدق وجلست فى مكان نجيب محفوظ الذى يكتب فيه فى نفس القهوة  ، وقابلته فيما بعد  وقابلت طه حسين ، وذهبت الى ندوات العقاد ، ثم انفتحت على عالم جديد فى الفن والتشكيل ، فالقاهرة مليئة جدا بالمتاحف وتعرفت على تشكيلي الحداثة وقتها امثال النحات مختار فى متحفة  ، وانجي افلاطون ، والسجيني ، وفى دار روز اليوسف تعرفت كل فنانيها ، وكنت مهموما بمعرفة الجو الثقافي فى مصر ، وإلتقيت بعدد من الكتاب ، وعشت اشتراكية عبد الناصر ولم أنتمي الى أى تنظيم بعدها ، لأن قناعاتي بأن التنظيمات تقيد الفنان فكريا وهو يجب أن يكون حراً
*ولكن هناك مدارس فكرية وثقافية وحزبية كثيرة  فحتى الاشتراكيون انفسهم كانوا اصحاب فكر سياسي وحزبي ؟
وماذا عن مدرسة الواحد ؟
مدرسة الواحد أسستها مع آخرين وهم ثمانية اذكر منهم  ابراهيم العوام ومحمد عبد الله عتيبى،  وعبد الباسط الخاتم ، ومحمد حسين الفكى ، واحمد عثمان وعبده عثمان وفيما بعد ادعي تاسيسها احمد عبد العال
الذى كان يحضر للماجستير والدكتوراه فى فرنسا ابان ذلك وعندما عاد ونسبة لاننا كنا نفكر فى  انشاء مدرسة للتشكيل السودانى فد اعطيته نقاط البيان التى اتفقنا عليها فى غيابه وفيما بعد ادعي انه هو مؤسسها الوحيد مما دفعنى بعد مدافعات ان اصدر بيان المدرسة الاحدية وحدي والذى يحمل من المضامين الجادة ما لم ياتى فى مدرسة الواحد
هناك ايضا مدرسة الخرطوم وكنت احد اعضائها ؟
أنا لم أكن بمدرسة الخرطوم كانوا يطلقون علينا مدرسة الخرطوم 2 انا وعبد العال وعتيبي وعبد الباسط الخاتم وآخرون ولكن أنا لم أكن أأومن بمدرسة الخرطوم  ولا مدرسة الخرطوم 2 كما لا انكر أن هؤلاء هم اساتذتى ومن ضمنهم استاذى الصلحي شيخي  .
أجد ان شعرك ملئ  بتأثرات تلك الفترة والفكر الثوري الاشتراكي ؟
هذا صحيح فى الهام 1958 جاء عبود الى السلطة وانا كنت ضد عبود وقتها كتبت قصيدة مناوئة للعسكر فقد كنت مغرما بالديمقراطية وبالزعيم الازهري وعلى اثر شنق خمس ضباط كتب قصيدة انتقدت فيها نظام عبود قلت فيها
الدماء الدماء غضبي تنادي
ورفاة الابطال من اجدادي
والسماء الحمقاء فوق بلادي
انبتت اذرعا لها وأيادي
تلعن الخائرين فى الاصفاد
ايها الشعب قد اطلت انتظارك
ودماء الابطال تلعن عارك
فتحرك وخذ بأيديك ثأرك
*كيف كانت ردة الفعل ؟
طبعا لم تنشرها اى جريدة ،غير ان اليساريون طبعوها بالرونيو وانتشرت والقى القبض على وكان اول اعتقال سياسي لى
هل اتهموك بانك شيوعي ؟
لا لم يتهموني ولكن كان هناك تيار جارف نحو التحرر والنضال أنا لست شيوعيا ولم اكن شيوعيا فى يوم من الايام أنا اشتراكي ، ولم سيتاذننى اليساريون  فى نشر قصيدتي
*هل الفن (يؤكل عيش) ؟
لا ، الفن والشعر  لا يؤكلان عيش ابدا ً ...ربما فى الخارج نعم اما فى السودان فلا ، عبد الله الشيخ البشير مات فقيرا وهو متنبئ العصر،  شبرين لم ينصف الا فى السعودية وانا لم آكل عيش بالرسم ولا بالتشكيل حتى ان ابى واسرتي عارضوا دخولى فى هذا المجال لذلك السبب
لوحاتك تباع بآلاف الدولارات ، لك لوحة بيعت بخمسين الف دولار ؟
هذا صحيح ولكن لم ابعها انا ، انا بعتها بعشرين جنيه أشترتها منى الاميرة وجدان عمة الملك حسين وباعتها بخمسين الف دولار لصالح مؤسستها الخيرية فى الاردن
*كتبت عن الادب الصوفى وعلاقته بالفن الانساني فى كتابك الاخير نسق الفكر فى الجمال هلى استطاع الفن ان يخترق النسيج الاجتماعي السودانى ؟
تلك كانت فلسفتي وكتبت عنها ايضا فى كتابى نسف الفكر فى الجمال فى فصل  الفن والميتافزيقيا وقلت ان الصوفية قسمين قسم على صواب وقسم على ضلال والصوفية الراشدة التى حاولت ان تربي الناس على الجوانب الروحية هى التى نشرت الاسلام فى السودان وهم أكثر الناس فهما لطبيعة الاسلام المتسع ، الاخرون اخذوا الجانب الضيق لفهمهم لللاسلام وادخلوا عليه ركاما من المفاهيم الخاطئة ،وقد وضع الاسلام القواعد الاساسية للحياة الكريمة ،والتى لاتتعارض مع مبادئ الصوفية الراشدة والتى تؤمن بأن الدين حياة وان الدين بحر واسع
وسط هذه الالوان المتعدده التى تشكل السودان اثنياته وتياراته الاسلامية وحركات سياسية هل تري نماذجا  أضافت للهوية السودانية ام نشازا لها داخل تلك اللوحة ؟
انا اعتقد ان الهوية السودانيةكانت محددة حتى وقت قريب وقد عرفها التشكليون والشعراء بانها ثقافة عربية زنجية اسلامية ، ولكن مع تطور ادوات العصر اصبحت هويتنا متحدرجة فقد تقارب العالم  واصبحت ملامحة مشتركة  وهو يتجة نحوهوية عالمية  زولا اعتقد ان الوقت مناسب الان لوضع تحديد نهائي لهويتنا   دائما ما اقول ان مشكلاتنا السياسية اعمق ، فى هذا الزمان لا توجد هوية محدده الهوية تسير وتتدحرج وتتغير كل يوم لأن هناك تداخل ثقافي عالمي تتأثر به  خاصة فى هذا العصر الذى يشهد انفتاحا معلوماتيا هائلا وقد اختلفت الاذواق والمفاهيم واتسعت الهوه بين الاجيال حتى لغة التخاطب داخل ما يسمي بالهوية الواحدة اختلفت لم يعد حفيدى يفهمنى ولم اعد افهمه فى الماضى كان من الممكن تحديد الهوية بانها الجغرافيا والدين واللغة والمصالح المشتركة ، الان كل هذا تلاشي السودان لم يتكون كامة واحدة الى الان  ونحن لم نبدأ الا بعد التركية السابقة ، صحيح ان الممالك القديمة التى كانت على النيل  كونت هوية خاصة بها ولكنهم ايضا تداخلوا مع العالم وظهر لنا ابادماك ذو الايادي المتعدده وهي ثقافة واردة من الهند لا شي يبقى على حاله ، واجدني اتفق مع ابو القاسم حاج حمد بأننا فى مأذق تاريخي حقيقى فالحضارة الحديثة اضافت الى هويتنا الكثير وطمست معالمها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق