في الغرب القاصي، وبدار مساليت في الجنينة، وفي عام
1930، ولد الشاعر الفيتوري لأب من دارفور وأم من قبيلة القرعان وجد من ليبيا، وهو
الذي أورثه اسم الفيتوري، فالفيتور هو بقايا زيت الزيتون كما يطلق عليه بليبيا.
ومن الجنينة هاجر الفيتوري مع أسرته إلى مصر حيث
استقرّ بحي القباري في الإسكندرية الذي يرقد على ساحل البحر الأبيض، وفي القباري
حفظ القرآن في الكتَّاب، ودرس في المعهد الديني، ثم معهد إسكندرية، ثم المعهد
الثانوي حيث التقى بمحيي الدين فارس، ثم التحق بدار العلوم في الأزهر، وجلجل صوته
الشعري في القاهرة وهو بعد طالب ثانوية، فكان صوتاً أفريقياً غريباً، كسر رتابة
المعاني والتجارب الشعورية بقاهرة المعز، فشد الكثيرين، واحتفى به العقاد والنقاش
والشرقاوي، وعبدت له أشعاره الأفريقية الطريق إلى الصحافة المصرية التي فتحت له
صدرها فكتب في (الأخبار) و(الجمهورية) و(آخر ساعة)، وتعرف على مصطفى أمين
والشرقاوي وهيكل... الخ.
عاد إلى السودان عام 1956 فطاب له المقام وعمل
بجريدة (النيل) و(الأمة) ثم ترأس تحرير (هنا أم درمان) واختلف مع عامر فوراوي
وغادر إلى مصر وواصل العمل في صحفها، ثم انتقل إلى الجامعة العربية، ورجع إلى
الخرطوم، فنوت حركة مايو الحمراء حينها أن يكون الفيتوري هو الصوت الذي يذيع
بيانها الأول، لكن تأبى الأقدار إلا أن يكون الفيتوري في مصر حينها.
كتب أشعاراً جميلة في قادة الحزب الشيوعي بعد 19
يوليو، فطارده النظام المايوي، فهاجر إلى بيروت، فلاحقه هناك وطارده، فهاجر إلى
ليبيا حيث فتح له القذافي قلبه وعيّنه دبلوماسياً في الخارجية الليبية.
كتب شعراً راقياً تركز حول قارته السمراء أفريقيا
(فعبر عنها من خلال التاريخ) كما يقول النقاد، فكانت دواوينه: (أغاني أفريقيا)
الذي كتبه وهو بعد في الثانوية، ثم (أحزان أفريقيا)، و(اذكريني يا أفريقيا)، التي
جمعت في ديوانه (أغاني أفريقيا). وباكتمال دورة الرؤية الشعرية الأفريقية، تفجرت
في دواخله دورة التصوف فكتب (معزوفة درويش متجول)، و(ابتسمي حتى تمر الخيل)، وهي
كتابات في العشق مغطاة بروح صوفية، ومن مؤلفاته أيضاً: (شرق الشمس غرب القمر)، مسرحية
(سولارا)، (سقوط دبشليم)، (الثورة والبطل والمشنقة).
يتميز شعره بجزالة المفردة وسحر الصورة الشعرية، وهو
أقرب إلى العمودية، إلا أنه موزع على الطريقة الحديثة، وتنساب أشعاره في غنائية
لذيذة، فهو قد غنى لصباح أفريقيا الأنشودة التي تواءمت مع مضامين ثورة 21 أكتوبر
1964 في الحرية، فزادها وردي ألقاً حين أنشد (أصبح الصبح)، وواكب الغناء السوداني
دورة التصوف في شعره فغنى الكابلي: (عشقي يفني عشقي.. وفنائي استغراق). أعجبت
الفنانة أم كلثوم بأشعاره وقالت له بالحرف: "خشلعلي القصيدة حتى أغنيها"،
فترفّع الفيتوري الرصين فلم تغنّ له كوكب
الشرق.
سادتي، ما زال الدرويش الأسمر يتجول راداً أمر
دروشته إلى أثر القرآن والحضرة وطقوس الصوفية لقبيلة القرعان، وراداً عشقه لأفريقيا
إلى بوح استثنائي صادر عن جدّته (زهرة) التي كانت تصرخ باسم (عذابات أفريقيا
القديمة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق